بينما كان الإمام الفقيه جعفر الصادق عليه السلام جالسا في بيته ومعه عدد كبير من
ضيوفه وتلاميذه يحتفلون بانتهاء الأستاذ من تأليف كتاب ضخم جديد اسمه
(الضيم) إذ دخل على الجميع شاب يافع طويل اسمر البشرة يبدو أنه من أصل
يمني اسمه جابر بن حيان وكان يحمل بين يديه نسخة من ذلك الكتاب وقد كتبها
بخط يده وصنع لها غلافا جميلا مزينا بالنقوش الإسلامية.
وفاجأ الشاب جميع الحاضرين بأن ألقى نسخة الكتاب التي يحملها والتي تعب
الليالي في إعدادها ألقاها في النار. وصدرت من الجميع صرخات الاستنكار
والاستهجان على ذلك الفتى بينما حاول بعضهم إنقاذ الكتاب من النار ولكنهم
فوجئوا بالإمام جعفر يبتسم لهم ويطمئنهم. وبعد قليل أخرج ذلك الشاب
الكتاب من النار فإذا به سليم كأن النار لم تمسه.. واخذ الشاب يشرح
للحاضرين إن أستاذه طلب منه إن يصنع له نوعا من الورق لكتابه الجديد لا
تؤثر فيه النار. فظل يجرى التجارب الدقيقة في معمله الكيميائي على أنواع
من الورق ويضع الأوراق في المحاليل الكيميائية ويصب عليها في كل مره
خليطا من السوائل التي ابتكرها تم ينشر الأوراق على حبال معلقة حتى تجف.
وأخيرا توصل إلي اختراع الورق الذي يقاوم النار فصنع منه غلاف الكتاب..
كما صنع أنواعا من الحبر الملون الذي لا تمحوه النار بل تزيده وضوحا
وبريقا وثباتا.
قصة أخرى :
ويحكى إن العالم الكيميائي الرازي المتوفى سنة 924 م كان يعتقد أنه توصل
إلي سر الأسرار والحلم الذي راود العلماء السابقين بتحويل النحاس إلي ذهب
وقد باع فعلا بعض الذهب الذي صنعه إلى جماعة من خبراء الذهب الرومان..
فسفروا به إلي القسطنطينية.. وبينما هم في البحر إذ غرقت المركب بهم.. ثم
عادوا فاستخرجوا الذهب من قاع البحر فوجدوه قد علاه الصدأ.. فعادوا إلى
الرازي ورفعوا عليه قضية.. فحكم عليه القاضي برد ثمن الذهب مضافا إليه ما
تكفلوه في استخراجه من البحر. ولكنه برأه سن تهمة الغش حيث شهدوا أنه
أخبرهم مقدما أنه صنع هذا الذهب في معمله الكيميائي وأنة كان يظن مخلصا
انه معدن جديد له خصائص الذهب. وقد طلب علماء ذلك العصر من الرازي إن
يشرح طريقته في صنع هذه السبيكة الذهبية للعلم والتاريخ فألف كتابه
المعروف "سر الأسرار" الذي شرح فيه كيف توصل لأول مرة في تاريخ العلم إلى
تحضير حامض يذيب الذهب وسماه (الماء الملكي) لأنة يذيب ملك المعادن وهو
الذهب.. وبهذه الطريقة استطاع إن يحصل علي ذهب خالص ثم خلط الذهب بالنحاس
وصنع منهما سبيكة جديدة لها خصائص الذهب وبذلك كان أول من اكتشف طريقة
صناعة السبائك الذهبية.
علم الكيمياء :
علم الكيمياء علم إسلامي عربي اسما وفعلا. ولم تعرف كلمة الكيمياء أو
يرد ذكرها في أي لغة أو حضارة قبل العرب سواء عند قدماء المصريين أو
الإغريق.
وفي اللغات الاوربية يكتبونها Al - Chemie ومعروف ان كل كلمة لاتينية
تبدأ (بالألف واللام) للتعريف أصلها عربي ومن ذلك Al-Cohol- algibra
واسم الكيمياء مشتقة من الكم أو الكمية.. وذلك لان علماء المسلمين الذين
أسسوا هذا العلم كانوا يقولون- إذا أضفنا كمية من هذه المادة إلى كميتين
أو ثلاثة من المادة الثانية نتج كذا. وهذا الاسم في ذاته يدلنا على حقيقة
هامة.. وهي إن علماء المسلمين أول من اكتشف نظرية النسبة في اتحاد المواد
وذلك قبل الكيميائي (براو ست) بخمسة قرون- وتقول هذه النظرية إن المواد
لا تتفاعل إلا بأوزان ثابتة وهو قانون النسب الثابتة في الاتحاد
الكيميائي.
وقد جاء في كتاب "لسان العرب " لابن منظور أن الكيمياء كلمة عربية مشتقة
من كمى الشيء وتكماه: أي ستره. وكمى الشهادة بكميه اكميا وأكماها: أي
كتمها وقمعها:
- وقد فسرها أبو عبدالله محمد الخوارزمي المتوفى سنة 387 هـ في كتابه
مفاتيح العلوم إذ قال: ان اسم هذه الصنعة كيمياء وهرعربي واشتقاقه من كمى
و يكمى: أي ستر و أخفى". وهذا يتفق مع ما ذهب إليه الرازي حين سمى كتابيه
في الكيمياء "الأسرار" وسر الأسرار.