بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن وآلاه أما بعد :
هل نظرت إلى واقعك؟ وهل حاسبت نفسك؟ وهل أيقنت وأنت تراجع رصيدك أنك ستقف يومًا بين يدي مولاك ليحاسبك؟
تذكر ?وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا? (مريم: 95)، إنك يومها لا تدرك توبة ولا أوبة..
وكما قال الصادق المصدوق- -: " أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، وأعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس"
حسنه الشيخ الالبانى رحمه الله وانظر صحيح الجامع ص73
هل أصغيت إلى أمر مولاك والتزمت به: ?وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا? (الكهف: 28)..
اصبر نفسك مع هؤلاء لا تمل ولا تستعـــجل.. صاحبهم وجالسهم، ففيهم الخير، فوجهتهم إلى الله، لا يبغون جاهًا، ولا متاعًا، ولا انتفاعًا، وإنما يبغون وجه الله ويرجون مغفرته ورضاه.
واحذر الأماني فإنها بضـاعة الموتى، يقول الحسن البصري، مذكرًا ومحذرًا من غفلة القلوب، وغلبة الأماني والأحلام: "هيهات هيهات أهلك الناس الأماني، قولٌ بلا عمل ومعـرفة بغير صبر، وإيمان بلا يقين، مالي أري رجالاً ولا أري عقولاً، وأسمع حسيسًا ولا أرى أنيسًا.. دخل القوم والله ثم خرجوا، وعرفوا ثم أنكروا، وحرموا ثم استحلوا، وهدوا ثم استحبوا العمى على الهدى، إنما دين أحدكم لعقه على لسانه، إذا سُئل أمؤمن أنت بيوم الحساب؟ قال: نعم، كذب ومالك يوم الدين".
إن من أخلاق المؤمنين قوة في الدين، وإيمانًا في يقين وعلمًا في حلم، وحلمًا بعلم، وكيسًا في رفق، وقصدًا في غنى، لا يحيف على مَن يبغض، ولا يقصر في مساعدة مَن يحب، لا يلمز، ولا يغمز، ولا يلغو، ولا يلهو، ولا يلعب، ولا يمشي بالنميمة، ولا يتبع ما ليس له، ولا يجحد الحق الذي عليه
هل نظرت إلى هذه الأخلاق وعرضت نفسك عليها؟
وهل كان العرض هامشيا؟
أم كان جزءًا من حياتك ومنهجك اليومي تحافظ عليه؟..
هل تتذكر معاني الجنة والنار دائمًا؟
وهل تتذكر قصر الحياة وقُرب الموت وزوال الدنيا؟
أم تغفل عن ذلك دائمًا؟..
هل تشعر رقابة الله في كل عمل وكل حين؟..
هل تحرص على الإخلاص في أعمالك كلها؟
أين أنت من أعراض الناس؟
هل تحفظ لسانك من ذكرهم بالسوء؟
أو الكذب عليهم؟
هل نظَّفت قلبك من الحسد والكبر والغرور، وسوء الظن والنفاق وحب الثناء والمدح وحب الظهور؟
رُوِي أن ناسًا مدحوا أبا بكر الصديق- - فقال لهم: "الله أعلم بي من نفسي، وأعلم بنفسي منكم، فيغفر الله لي ما لا تعلمون، وأسأله ألا يؤاخذني بما تقولون".
هل يتطابق مخبرك مع مظهرك؟
وهل الباطن كالظاهر؟
كان أسلافنا يستعيذون بالله من خشوع النفاق؛ وهو أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع.. يقول الله تعالي: ?لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ? (الأنبياء: 10)..
ماذا تقول في هذه الآية؟
إن الأحنف بن قيس قرأها ذات يوم وهو جـالس فانتبه وقال: علي بالمصحف لألتمس ذكري حتى أعلم مَن أنا ومَن أشبه؟ فنظر في المصحف فمر بقوم ?كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ? (الذاريات: 17- 19)،
ومر بقوم ?تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ? (السجدة: 16)،
ومر بقوم ?يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا? (الفرقان: 64)،
ومر بالقوم ?الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ? (آل عمران: 134)،
ومر بقوم ?يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ? (الحشر: 9)،
ومر بقوم: ?يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ* وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ? (الشورى: 37،38)، فوقف ثم قال: "اللهم لستُ أعرف نفسي ههنا".
ثم أخذ في السبيل الآخر.. فمر بقوم: ?إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ* وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ? (الصافات: 35،36)، ومر بقوم قيل فيهم ?وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ? (الزمر: 45)، ومر بقوم يُقال لهم: ?مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ? (المدثر: من 42 إلى 47)،
ثم توقف وقال: " اللهم أبرأ إليك من هؤلاء".
وظل يقلب صفحات المصحف، ويلتمس حتى وقع علي هذه الآية ?وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ? (التوبة: 102)،
فقال : "اللهم هؤلاء".
أيها الأحباب:
تعالوا نلتمس ذكرنا في القرآن بأمانة ودقة وجد وعزم، إن القرآن يقرن بين التبشير والإنذار، ويأتي بوصف الصالحين والمنحرفين، ويصور الجماعات كما يصور الأفراد؛ فيقول: ?وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ? (البقرة: من 204 إلى 206)،
ويصف الجماعة بقوله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ? (المائدة: 54)
أيها الأحباب:
وقفة تأمل مع عمر بن الخطاب- - فقد قرأ قول الله عز وجل: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ? (آل عمران: 110)
وهو ينظر إلى الصحابة ويقول لهم: مَن أراد أن يكون من أهل هذه الآية فليؤدِ شرط الله فيها.
هل عرفت نفسك؟ كن عُمَريًا في موقفك من نفسك...
يقول : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر".
كُنْ في أعلى درجات الصراحة مع نفسك، ورحم الله امرأ عرف ذنوبه، فاستغفر ربه وأناب إليه، وإذا وجدت في نفسك خيرًا فاحمد الله على ذلك، ودوام في عبادته وشكره، وإذا وجدت تقصيرًا فاستغفر الله، وافتح مع ربك صفحة جديدة، وتصالح مع ربك؛ إن رحمة الله قريب من المحسنين
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .. آميـن