الحمد لله الذي أنزل علينا من السماء ماء طهورا، و أمدنا بحبل ممدودا ، و بعث
إلينا معلما رسولا..
وبعد ؛
إن معرفة الفساد لا شك تعين العبد على سلوك طريق الرشاد ، و تُجنّبُه سُبُل
غواية الشُذّاذ ..
فكما أنّه لا يستطيع تقويض أركان الجاهلية من لا يعرف أصولها.. فكذلك الشأن
مع النفس ، فإنه لا يستقيم لها ساق ، و لا يقوم لها أساس ؛ إلاّ بفك الوثاق..
كما قال الفاروق رضي الله عنه : " إنما تنحلُّ عُرى الإسلام عروة عروة إذاعاش
في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " . فمفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس .
كما جاء في قوله وتعالى:" : سَنُريهِم آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ
لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ " فلا شيء أقرب إليك من نفسك ؛ فإذا لم تعرفها ، فكيف يتسنى
لك معرفة باريها !؟
و إليكم أحبتي بعض أهم الأمراض النفسية التي استشرت ، و استفحلت بقوة بين
طلبة العلم ، و العاملين في حقول الدعوة إلى الله ، و حتى بين بعض العلماء :
1-إطلاق العنان للسان
باسم النقد البناء ، و النصيحة لهذا الدين ، و كشف الأخطاء ، تزين النفس
الأمّارة الطريق للعبد ، فيقع فريسة في قبضة الشيطان ، و تأويلاته النارية ،
فينطلق بلا عُقال في حصد الأعراض ، و نصب الموازين الحادّة التي تأخذ
بشفراتها كلّ العثرات !..و لا شك ، من اشتغل بالغيبة فإنها تقوده إلى الحسد ، و
الحسد يقوده إلى النميمة ، و النميمة تقوده إلى الكذب ، و من استجاز الكذب لم
يتورع عن النزاع إلى مائة عيب أو يزيد..و بذلك تنفصم عُرى الأخوة بلفحات
الغيبة ، و نظرات الريبة..! و لهذا كان السرّي السقطي - خال الجنيد - يتخوّف
خوفا شديدا من سرايان مرض تتبع عيوب النّاس إلى طلبة العلم ؛ فنادى بأعلى
صوته محذرا : " ما رأيت شيئا أحبط للأعمال ، و أفسد للقلوب ، و لا أسرع في
هلاك العبد ، و لا أدوم للأحزان ن و لا أقرب للمقت ، و لا ألزم لمحبّة الرياء و
العجب ، و الرياسة من قلّة معرفة العبد لنفسه ، و نظره في عيوب النّاس ".
قال سفيان بن الحسين: كنت جالساً عند إياس بن معاوية، فنلت من إنسان.
فقال لي: هل غزوت في هذا العام الترك والروم؟ فقلت: لا.
فقال: سلم منك الترك والروم، وما سلم منك أخوك المسلم؟ وقيل: يعطى الرجل
كتابه. فيرى فيه حسنات لم يعملها. فيقال له: ذا بما اغتابك الناس وأنت لم تشعر.