يوم الحنفية
يمارس الأردنيون طقوساً فريدة عند اقتراب دورهم في توزيع المياه.. ''أبو يحيى'' مثلاً يتفقّد الساعة كل خمس دقائق، شلاش يفكّ إلتواءات ''البربيش'' ويضع إصبعه السبابة في فوهة الخرطوم ليقيس نسبة الرطوبة وهل اقترب الفرج أم لا،يحيى يسأل ابن تركية سؤالاً يتكون من كلمة واحدة : ''اجتكوا''؟... أم يحيى تقوم بدحل البراميل الاحتياطية و''لحّها'' متفائلة أن تكون ساعات الضخ طويلة وكافية لتعبئة الاحتياطي ..و''رسمية'' تستشير أمها بصوت مرتفع من أقصى حوش الدار '' أفرّ وجوه الفرشات يُمَّه''.
تماماً مثل المسرح المفتوح،أغلي كل خميس إبريق شاي بالميرمية، وأسهر على أصوات جيراني ''المرابطين'' قرب الخزّانات والمتخندقين في ''بيوت الدرج''..أحفظ عن ظهر قلب ذات الحوارات وذات العبارات التي تتكرر كل أسبوع ..فمثلاً لا يمرّ خميس الاّ وأسمع نداء مفاده '' سلّك البربيش من عندك''، وثمة استفسار آخر قادم من ''غايب فيلة'' يتساءل : ''أجت الحنفية'' ؟ فيكون الجواب: مثل الخيط..ولا أخفيكم أني أشارك أحياناً ببعض الجمل المعترضة من باب التسلية والتعبير عن الذات..مثلاً عندما يطلب أحدهم من ابنه البكر أن يدلّي له الحبْل..أفتح نافذتي وأرد قائلاً : ''ما بطولش يابا''..ثم أغلق نافذتي، لأستمتع بحوار طويل يدور بعدها عن طول الحبل وقصره، وعن اتهامات ''بالنياطة'' / وأنه طالع لخواله/ وأحياناً عن قلة الفهم..دون أن يعرفوا أن رجلاً في العتمة يستمتع بكأس شاي ثقيل هو الذي رمى الفتنة.
شخصياً، أنا ارتحت من السهر في سبيل استلام حصّتي من ''مؤونتي'' المائية..فقد ركّبت قبل سنوات ''طوّاشة'' صغيرة تقوم بعملي أنا الرجل الطويل العريض ''المشورب''..فحقنت وقتي من النزيف والهدر..وأعلنت راحة بالي.
***
هذه بعض من طقوس الأردنيين كثيرة في احتفائهم بالماء ...عندها أتذكّر أن السنوات القادمة، هي سنوات مائية صعبة. اتساءل من أين نأتي لهذا النشاط العمراني بالماء؟.