.. وفي وسط الزحام ..أستمرت في مكانها ..!! لم تتحرك.. أقدام الماريين تلكزها تارة.. وتارة أخرى أكياس المشتريين.. ولم تغير وقفتها.. وتلاشت في أذنها أصوات السيارات.. وأصوات صديقاتها وهن ينادن عليها... تأملته .. أخذت تنظر إليه.. وقفت امامه تماماً.. ولا يفصلها عنه سوى حاجز زجاجي..!!.كان يتألف من سبع قوالب بشكل دائري.. القالب الأول كبير..وكلما إرتفع قالب.. كلما كان أصغر.. حتى ينتهي.. بقالب صغير, تتربع على قمته حبة فراولة..بحجم كبير!! وكل قالب بنكهه مختلفة.. منثور عليه قطع مفرومة من الفاكهة..ومن حوله شموع مضاءه..
في كل مرة تخرج من مدرستها تمر من أمامه.. دون أن تفعل شيئاً.. لكن لهفتها.. بأن تراه بشكل افضل..وأن تتذوق طعمه جعلها تقف أمامه..
زميلاتها يحاولن مناداتها ...لكن لم تسمعهن.. تذكرت يوم ميلادها.. وكيف إنها بعد أيام ستتم السابعة. وكيف أن امها وعدتها بأن تأتي لها بهدية جميلة..
اخذت تتحسس مريولها.. لم تجد له جيب..!! بل رقعة صغيرة خيطت بشكل محترف حتى لا يظهر عيب بالمريول وضعت اصبعها على الرقعة ..ضحكت بحزن في داخلها.. هي تدرك تماماً بأن ليس لديها نقود.. فلما الجيب..إذاً ؟!.
إنحنت قليلا.. بنظرها .. رأت حذائها المرثي .. وأصبع صغير..يحاول الخروج ..كأنه يمد لسانه لها..
ــ كيف لأمي أن تحضر لي هذا القالب.. وقد وعدتني في أول يوم دراسي..أن تأتي لي بحذاء جديد.؟! سألت نفسها.
حاولت أحدى صاحباتها أن تجذب أنتباهها.. فأخذت بشد حقيبتها من ظهرها.. لكن الحقيبة البالية .. تمزقت.. وأنهمرت منها الكتب.. ودن أن تتحرك من مكانها.
ــ قالت لنا حنان أن أباها يوم ميلادها أتى بواحد مثله.. لكن هذا أجمل منه فكل طابق منه بنكهة مختلفة.. بطعم الكرز.. والفراولة.. والشيكولاته.. أزكى من قطعة حنان..!! ولماذا يكون لها ولياسمين.. ورنا.. مثل هذا .. وأنا أشطر منهن ؟! .. بل أنني لا أغش في الامتحان.. مثلهن.. ودائماً تقول لي المعلمة.. انت الذكية في الصف.؟!!
صاحباتها مضن في طريقهن.. وقد أبتعدن عنها..أنتبهت إليهن .. وأذ بها تتأمل ((سيف)).. يرتفع في الهواء .. سيف يشير نحو السماء.. لفارس يركب على حصان هائج..
ــ هل يا ترى .. كان صلاح الدين يحلم بقطعة مثل هذه ؟؟!!
فلم تجد إجابة..
تذكرت وعد أمها.. وهي تعرف تماماً بأنها لا تملك ربع ثمنه..فقالت
ــ يا ترى لو كان أبي حي..يرزق.. هل سيحضر لي مثله..؟؟!!
رأها صاحب المحل.. وعرفها.. ولما لا.؟! وهو يراها كل يوم .. تلفت إلى القالب..!!
خرج لها ..وفي يده صحن بلاستيكي ..
ــ خذي.. ومد بالصحن نحوها..
نظرت للصحن.. ولقطعة الحلوى التي بداخله.. رأت يديه.. رفعت ببصرها نحوه..تأملت ملامح الشيخوخة.. وما لبثت أن رفعت رأسها.. أكثر واكثر . قالت ــ وهي تشيح بوجهها عنه ــ :-
ــ في عيد ميلادي ,, ستأتي أمي .. بواحدٍ مثله.. ..!!
ومضت.. تاركه خلفها.. كبرياء طفولي.. وحلم مستحيل..!!.. وبعض الكتب المنثورة..!!